ما هي الليبرالية الجديدة؟ تعريف مختصر
ترجمة: نصر عبد الرحمن
“الليبرالية الجديدة” هي حزمة من السياسات الاقتصادية التي انتشرت على نطاق واسع في العقود الأخيرة. ورغم ندرة استخدام المصطلح، إلا أن تأثيراته واضحة؛ حيث يزيد الفقراء فقرًا، ويزيد الأثرياء ثراءً.
وتشير الليبرالية إلى أفكار سياسية واقتصادية وحتى دينية. وتتبنى الليبرالية إستراتيجية تهدف لمنع الصراع الطبقي. ويتم تقديمها إلى الفقراء والطبقة العاملة على أنها نزعة تقدمية في مقابل النزعة المُحافظة أو اليمينية. وحين يُصرح السياسيون ذوو النزعة اليمينية أنهم يكرهون “الليبراليين” – فإنهم يقصدون النوع السياسي من الليبرالية – وليس لديهم مشكلة مع الليبرالية الاقتصادية والتي تنضوي الليبرالية الجديدة تحت لوائها.
وتعني كلمة “الجديدة” أنها بصدد نوع جديد من الليبرالية. فما هو النوع القديم إذًا؟ اشتهرت المدرسة الليبرالية الاقتصادية في أوروبا عندما نشر الاقتصادي الأسكتلندي آدم سميث كتاب “ثروة الأمم” عام 1776. ودافع مع آخرين عن إلغاء التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية. يجب رفع القيود عن عملية التصنيع، ورفع الحواجز والتعريفات الجمركية، وقال إن التجارة الحرة هي أفضل وسيلة للنهوض باقتصاد دولة ما. هذه أفكار “متحررة” بمعنى أنها ضد السيطرة. وهذا التطبيق للنزعة الفردية شجع على المشروعات “الحرة”، والمنافسة “الحرة”؛ والتي تعني أن أصحاب رؤوس الأموال أحرار في اختيار الوسيلة التي يجنون بها أرباحًا طائلة.
سادت الليبرالية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حتى ظهر الكساد العظيم في الثلاثينات من القرن العشرين، مما أدى إلى أن يضع اقتصادي اسمه جون ماينارد كينز نظرية نافست الليبرالية كأفضل سياسة رأسمالية. قال إن التوظيف الكامل ضروري لنمو الرأسمالية، ولن يحدث هذا إلا إذا تدخلت الحكومات والبنوك المركزية لزيادة التوظيف. وتبنت بعض الحكومات أفكاره، وأصبحت فكرة تدخل الدولة للصالح العام أكثر قبولًا.
إلا أن الأزمة الرأسمالية في العقود الأخيرة، التي اتسمت بتقلص معدلات الربح، ألهمت الشركات العملاقة بإعادة إحياء الليبرالية الاقتصادية، وهو ما يجعلها ليبرالية جديدة. والآن، وفي ظل العولمة المُتسارعة للاقتصاد الرأسمالي، انتشرت الليبرالية الجديدة على نطاق عالمي.
وتتضمن الملامح الرئيسية لليبرالية الجديدة ما يلي:
1- هيمنة السوق: رفع كافة القيود التي تفرضها الحكومات على المشروعات الخاصة، مهما كانت التبعات الاجتماعية والأضرار التي يتسبب فيها رفع هذه القيود. ومزيد من الانفتاح على التجارة والاستثمار الدولي. وتخفيض الأجور، وحل النقابات العمالية وتهميش حقوق العمال التي حصلوا عليها عبر سنوات من الكفاح. وعدم التدخل لضبط الأسعار. وإتاحة الحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات.
2- تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية: مثل التعليم والرعاية الصحية، وتخفيض الإنفاق على الضمان الاجتماعي، وصيانة الطرق والكباري، وخدمات المياه النظيفة والكهرباء، تحت مسمى تقليص دور الدولة. وبالطبع لا يعارضون الدعم الحكومي لرجال الأعمال.
3- التحرير: تقليص التدخل الحكومي في أي شيء قد يخفض الربح، حتى فيما يختص بتهديد البيئة والأمان الصناعي.
4- الخصخصة: بيع المشروعات والبضائع والخدمات التي تمتلكها الدولة إلى رجال الأعمال. ويتضمن هذا بيع البنوك والصناعات الحيوية والسكك الحديدية والكهرباء والمدارس والمستشفيات، وغيرها. ورغم أن البيع يتم بحجة البحث عن كفاءة الإدارة، إلا أن الخصخصة تسببت في مزيد من مركزة الثروة في يد قلة من رجال الأعمال، واضطرت الجمهور إلى دفع المزيد مقابل احتياجاته.
5- القضاء على مفهوم “الصالح العام” أو “المجتمع”، واستبداله بمصطلح “المسؤولية الفردية”، والضغط على الشرائح الأفقر في المجتمع من أجل البحث عن حلول لمشاكلهم الخاصة بنقص الرعاية الصحية والتعليم والضمان الاجتماعي بأنفسهم، وإذا فشلوا في إيجاد الحلول، يتم توجيه اللوم إليهم باعتبارهم “كسالى”.
تقوم مؤسسات مالية قوية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بفرض الليبرالية الجديدة في جميع أنحاء العالم. وتجتاح الليبرالية الجديدة أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وظهر أول نموذج واضح لتطبيقها في دولة شيلي (بفضل الاقتصادي بجامعة شيكاغو ميلتون فريدمان)، وتم هذا عقب الانقلاب الذي دعمته وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد سيلفادور أليندي عام 1973. وتلت دول أخرى شيلي، لكن أسوأ النتائج كانت في المكسيك. ووصف أحد الباحثين ما يحدث بقوله: “الليبرالية الجديدة تعني استعمارًا جديدًا لأمريكا اللاتينية”.
وتدمر الليبرالية الجديدة برامج الرفاهية الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وتهاجم حقوق العمال (ومن بينهم العمال المهاجرون)؛ وتقتطع من ميزانية البرامج الاجتماعية. ويعمل الليبراليون الجدد جاهدين على إنكار حقوق الأطفال والنساء، والآثار السلبية المُهددة لكوكب الأرض، ويحاولون استدراجنا بقولهم: “سوف يرفع هذا يد الحكومة عن كاهلنا”. المستفيدون من الليبرالية الجديدة هم قلة محدودة من سكان العالم. أما بالنسبة للأغلبية الساحقة من السكان، فلن تجلب لهم سوى المزيد من المُعاناة: مُعاناة دون مكتسبات تحققت في الستين عامًا الماضية؛ معاناة بلا حدود.